مقالات ثقافية

تناول القهوة مع صلاح الدين الأيوبي


تناول القهوة مع صلاح الدين الأيوبي

هل تريد أن تقضيَ بعض الوقت مع شخص مثل: صلاح الدين الأيوبي، عمر بن الخطاب، ابن الهيثم، الشافعي، أينشتاين… اقرأ كتابًا عنه وكأنك تحاوره فيما حقق في حياته، إن قراءة كتاب عن شخص تجله وتقدره، يتيح لك أن تكتسب شيئًا من عبقريته وذكائه؛ فهذا ابن المبارك قيل له يومًا: يا أبا عبدالرحمن، لو خرجت فجلست مع أصحابك، قال: “إني إذا كنت في المنزل جالست أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم”؛ يعني القراءة.

 

القراءة هي واحدة من أفضل الطرق التي أعرفها لتحقيق النجاح والتفوق، وإنجاز أهدافك في الحياة، فعندما تقرأ كتابًا قيِّمًا، فأنت بذلك كأنما تُجرِي حوارًا مع مؤلفه حول ما كتب، تخيل أنك الليلة أثناء قراءة سيرة صلاح الدين الأيوبي، بينما تتناول فنجانًا من القهوة، وكأنك في حوار معه، تسأله ما تريد من الأسئلة التي تجد إجاباتها في هذا الكتاب، التي تحدثك عن حكمة هذا الرجل، والتعرف على غاياته ودوافعه، وكيف واجه الصعوبات وتغلب عليها، وكيف حقق أهدافه، ستجد أنك في هذه اللحظة قد أفدتَ إفادات جمة في شتى مناحي الحياة.

 

تُعَدُّ القراءة من أكثر مصادر العلم والمعرفة وأوسعها؛ حيث حرصت الأمم المتيقظة على نشر العلم وتسهيل أسبابه، وجعلت مفتاح ذلك كله من خلال تشجيع القراءة، والعمل على نشرها بين جميع فئات المجتمع، والقراءة كانت ولا تزال من أهم وسائل نقل ثمرات العقل البشري، وآدابه وفنونه، ومنجزاته ومخترعاته، وهي الصفة التي تميز الشعوب المتقدمة التي تسعى دومًا للرقي والصدارة.

 

فمن المؤكد أنك بانتهائك من قراءة كتاب مهم، لن تصبح كسابق عهدك، وقد أشار إلى هذا المعنى (أوليفر هولمز) بقوله: “متى اتسع عقل الإنسان بفكرة جديدة، فمن المستحيل أن يعود إلى أبعاده الأصلية مرة ثانية”.

 

ولقد كان هذا قاسمًا مشتركًا بين العباقرة والمصلحين على مر التاريخ، فقد كانوا يؤمنون بأنك لا تحتاج إلا فكرة واحدة تكتشفها في أحد الكتب لتأخذك إلى مستوى جديد تمامًا، وتغير نظرتك للحياة والعالم تغييرًا جذريًّا؛ ولهذا السبب تجد أن بيوت العلماء والمصلحين مليئة بالكتب، بل تجد أن كلًّا منهم قد خصص وقتًا محددًا يوميًّا يغوص فيه في أعماق الكتب؛ ليتعلم من دُررها، ويستفيد من الحِكَمِ الواردة بها، وهذه العادة بمفردها كفيلة بأن تغير حياة أي إنسان.

 

فمن أراد أن يطول عمره، فعليه بالقراءة في سير المصلحين والمبدعين وفي التاريخ عمومًا، فكأنك بذلك تزيد أعمارًا إلى عمرك بتعلمك من هذه التجارب، وتستطيع أن ترى الأمور على نحو أفضل؛ يقول الشاعر العربي:

ليس بإنسان ولا عاقل
من لا يعي التاريخ في صدرِهِ
ومن درى أخبار من قبله
أضاف أعمارًا إلى عمرِهِ

 

ويقول الفلكي والكيميائي الإنجليزي (جون هرشل): “إن من تيسَّرت له أسباب القراءة يصير ولا شك سعيدًا؛ لأنه يقطف من حدائق العالم، وتتجلى أمام عينيه أحوال الأمم الغابرة، ويكون كمن عاش مع أفضل أفرادها، وكأنما خُلِقت الدنيا له”.

 

ومن أراد القيادة فعليه بالقراءة؛ فحين سُئل (فولتير) الفيلسوف الفرنسي عمن سيقود الجنس البشري، أجاب: “الذين يعرفون كيف يقرؤون”.

 

ومن أراد الحرية فعليه بالقراءة؛ فقد قال الرئيس الأمريكي (جيفرسون) مقولة صارت مثلًا يُردَّد: “إن الذين يقرؤون هم فقط الأحرار؛ لأن القراءة تطرد الجهل والخرافة”.

 

ومن أراد الصحبة الصالحة، فعليه بالقراءة، ولعل الكثير منا قرأ مقولة الجاحظ: “الكتاب هو الجليس الذي لا يطريك، والصديق الذي لا يُغريك، يُطيل إمتاعك، ويشحذ طباعك”.

 

يقول المتنبي:

أعز مكان في الدُّنا سرج سابحٌ
وخيرُ جليسٍ في الزمان كتابُ

ويقول أمير الشعراء أحمد شوقي:

أنا من بدل بالكتب الصحابا
لم أجد وافيًا إلا الكتابا

والأمم التي تريد النهوض والتقدم، عليها الاهتمام بالعلم والقراءة، فنجد أن الحضارة اليونانية مشهورة بكثرة الفلاسفة، والإسلامية بكثرة الفقهاء والعلماء، والأوروبية الحديثة بالعلماء والفلاسفة، كما أن اليابان قد بَنَتْ نهضتها كذلك بالقراءة.

 

وربما تكون من أعظم المهارات التي ينبغي على الإنسان أن يعلمها أبناءه هي مهارة القراءة المفيدة المثمرة، ولعل أعظم الهدايا التي قد يتركها إنسان لأبنائه بعد موته هو مكتبته، وهي تحوي كتبًا عن تعاليم الإسلام الصحيحة، وفنون القيادة والعلاقات، والعمل والفلسفة والصحة، وسير العظماء والمصلحين، والكثير من الموضوعات الأخرى التي تساهم في تطوير حياتهم وتنمية مهاراتهم.

 

ولعل اقتران لفظ ﴿ اقْرَأْ ﴾ بقوله تعالى: ﴿ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴾ [العلق: 3]، دليل على أن القرَّاء هم من سينالون كرم الله عز وجل في الدنيا، وهم من سيعلو شأنهم ويمكَّنون في الأرض، ويستوي في ذلك المسلم وغير المسلم؛ لأنها سنة كونية، أجراها الله على خلقه.

 

كما أن هذه الحكمة القديمة صحيحة: “إذا تعلمت كيف تقرأ ولم تقرأ، فكأنك لم تتعلم من الأساس”؛ لذا فيجب عليك أن:

1- تخصص وقتًا كل يوم تقضيه في قراءة شيء مفيد.

 

2- تملأ عقلك بأفكار ضخمة وآراء متألقة.

 

3- تستعين بالكتب لتغمر روحك بالأمل والإلهام.

 

4- تقرأ في سير العلماء والأدباء، والمصلحين والمبدعين، والتعرف على وسائلهم في تحقيق أهدافهم.

 

5- تُزكِّي عن علمك بتعليم غيرك فن القراءة، ونشر ما تستفيده من حِكَمٍ وأفكار بين الناس؛ لِتَعُمَّ الفائدة.

 

6- تضع خطة لكل ذلك وتلتزم بها، مهما كانت الظروف.

 

وتذكر أنك إن أردت أن:

تترك بصمة في حياتك يراها الناس بعد موتك.

تصبح قائدًا يحقق العديد من الإنجازات.

تعيد صياغة حياتك وتغييرها نحو الأفضل.

تحقق أهدافك وتصل إلى ما تريد.

إن أردت كل ذلك، فعليك بالقراءة.

 

المراجع:

1- القراءة الذكية، د/ ساجد العبدلي.

2- دليل العظمة، روبن شارما.



مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى