مقالات ثقافية

مناظرة بين القلب والعقل


مناظرة بين القلب والعقل

 

قال القلب مفتخرًا: أنا مصدر الإلهام والإبداع، ومن بين ثناياي تتفتق المشاعر الجياشة؛ ليعيش صاحبها بحبٍّ وأمل في بحر هذه الحياة المادية القاسية.

 

قال العقل: بل أنت ضعيف كضعف نبضاتك، لا تقوى على مواجهة مصاعب الحياة، وستفشل عند أول تحدٍّ، فالحياة للأقوى، ولا مكان فيها للضعفاء.

 

قال القلب وقد بدأت ملامح الانزعاج تظهر على مُحيَّاه: وما نفْعُ قوتك أيها المغرور، ألَا ترى أن ما يُؤخَذ باللين والرفق أفضل بكثير مما يُؤخَذ بالقوة، فبالحب يحقق المرء أكثر مما يريد، ويسهُل عليه حمل الجبال الراسيات؛ ألم تقرأ رد سعد بن معاذ وقد امتلأ قلبه حبًّا لنبيه: ((لو خضت بنا البحر، لَخُضْناه معك))، وتصديق الصِّدِّيق لخبر الإسراء والمعراج المخالف لفرضياتك وقوانينك.

 

قال العقل مقاطعًا بحنق: وهل كانت هذه الردود التي أوردتها إلا نابعة من الإيمان الذي توصل إليه أبو بكر وسعد بالعقل والحكمة؛ فالعقل والحكمة سَبَبَا ما تفضَّلت به.

 

قال القلب: لو كان الأمر كما تزعُم، لَرأيتَ جميع العلماء والمخترعين قد دخلوا في دين الله أفواجًا، والحقيقة الصارخة تقول: إن هناك من العلماء من يعبد بقرة أو شجرة، فالهداية أنا مسرحها، وقد مدحني الحق سبحانه وتعالى في ذلك؛ حيث قال: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ [ق: 37].

 

شعر العقل بحرجِ موقفه وانتفض قائلًا: وهل استطاع الإنسانُ تسخيرَ ما حوله إلا بالعقل؟! فما تراه من تطور وعمران وتقدم علمي مردُّه حسن التخطيط والتدبير، ومن ثَمَّ التنفيذ، ولولاي لظل العالَم يمتطي جواده أو ناقته، وهو يردد أشعارك، ويُلقِي خطبك الجوفاء.

 

رد القلب بثقة: رويدك رويدك… وما فائدة هذا التطور الذي تتبجح به؟ وهل جَنَيْنَا منه إلا الدمار والخراب للإنسانية؟ ألم تُدمِّروا العلاقات الإنسانية النبيلة بقنابلكم المتخلفة، وقطعتم شرايين وأوردة المحبة والإخوة بصواريخكم الغبية؟

 

وهنا تدخَّل العاشق الحكيم ليُنهيَ هذا الحوار قائلًا: لا يمكن الاستغناء عن فضائل ومحاسن كلٍّ منكما، فأنتما عينان في رأس واحدة تتكاملان ولا تتنافران، تتساعدان ولا تتخاصمان، ألم تقرأا قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء: 36].



مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى