مقالات ثقافية

لمحة عن المدرسة الكلاسيكية في موريتانيا


 

تمهيد:

تُعتبَر المدرسة الكلاسيكية من أقدم المدارس والمذاهب التي بحثت في الأدب العربي؛ حيث نشأت المدرسة الكلاسيكية في الدول الأوروبية أواخر القرن الخامس عشر للميلاد.

 

غير أن فرنسا كانت هي الدولة الأوروبية الوحيدة التي احتضنت هذه المدرسة، وكانت بمثابة المهد الأول لها؛ حيث أسست مجموعة من الشعراء الفرنسيين جماعةً أطلقوا عليها جماعة “الثريا” للعمل على إحياء اللغة وتجديد أساليبها، ومحاكاة النماذج العالية من أدب اليونان والرُّومان، وقد عكف الفرنسيُّون على نشر وتوزيع تلك المخطوطات القديمة التي تتعلق بالأدب الغربي القديم؛ وذلك من خلال الدراسة والتحقيق وكذا الترجمة.

 

أما الكلاسيكية العربية فقد نشأت على أيادي كل من عالي درويش ومحمود صفوت وإسماعيل خشاب….؛ حيث مهَّدَ هؤلاء لظهور تيار جديد يدعو إلى تقليد الموروث الشعري القديم يتزعمه محمود سامي البارودي وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم.

 

فما هي المدرسة الكلاسيكية؟ وما هي مبادئها؟ وما هي الخصائص المميزة لها عن بقية المدارس الأخرى؟ وما مواقف النُّقَّاد من المدرسة الكلاسيكية؟

 

تُعتبَر المدرسة الكلاسيكية من أهم المدارس والمذاهب التي عرفها الأدب العربي؛ وقد حاولت النهوض بهذا الأدب؛ وذلك من خلال اعتماد تلك المعايير التي ازدهر بها الأدب في السابق؛ حيث اعتمد أنصار هذا المذهب على التقليد والمحاكاة؛ لذلك عرفت الكلاسيكية مجموعةً من التعاريف، من بينها:

حركة الإحياء؛ حركة السلفية الشعرية؛ الاتِّباعية…؛ وهي كلها أسماء تدل على الاعتناء بالماضي واعتماد أساليبه في ازدهار الأدب العربي، وجعله في أحسن صورة يمكن أن يظهر فيها.

 

أما فيما يتعلَّق بمبادئ المدرسة الكلاسيكية فإن روَّاد هذه المدرسة قد أسَّسُوها على مجموعة من المبادئ يمكن أن نذكر بعضًا منها في هذا الصدد على سبيل المثال لا الحصر.

 

أولًا الإتقان:

يتمثل هذا المبدأ في التركيز على جودة الأسلوبواحترام نظام القافية والروي في القصائد الكلاسيكية.

 

ثانيًا: التقليل من شأن الخيال مع كبح وإخفاء جماح العواطف.

ثالثًا: إبراز النزعة الأخلاقية والتربوية.

إذا كانت تلك هي أهم مبادئ المدرسة الإحيائية فلا مانع من ذكر أبرز روَّاد هذه المدرسة في بعض الدول العربية وخاصة في موريتانيا.

 

يعتبر محمود سامي البارودي من أبرز أعلام المدرسة الاتِّباعية؛ حيث استعاد الأساليب التراثية بصورة متقنة، وقد سار على نهجه مجموعة من زعماء المدرسة الإحيائية، لعل من بينهم: أحمد شوقي، حافظ إبراهيم في مصر، وكذا الرُّصافي والجواهري في العراق.

 

أما في موريتانيا فقد مَثَّل الشعراء الموريتانيُّون الكلاسيكية أحسن تمثيل؛ فقد عبروا عن عصورهم مقتفين آثار فحول الشعراء الكلاسيكيين في العصر الجاهلي، محاولين بَعْث الشعر والانطلاق نحو فضاءات أدبية واسعة، فكانت دعوتهم إصلاحية وفكريَّة، وليس ذلك فحسب؛ بل كانت لديهم دعاوى اجتماعية تهدف إلى إصلاح المجتمع وتكوينه، وتُعبِّر عن مشاكل الأُمَّة وما يُلِمُّ بها من أحداث وخطوب، ومِنْ بين مَنْ مَثَّلوا المدرسة الكلاسيكية في موريتانيا نذكر على سبيل المثال لا الحصر المختار ولد حامدن، وابن رازقة العلوي، وحرمة بن عبدالجليل العلوي، وكذا محمد اليدالي الديماني.

 

أمَّا فيما يتعلَّق بخصائص المدرسة الكلاسيكية فيمكن إجمالها في مجموعة من الخصائص منها ما يتعلَّق بالجانب الشكلي (الخصائص الشكلية) إلى جانب بعض الخصائص المتعلِّقة بالمضمون (الخصائص الموضوعية).

 

الخصائص الشكلية للمدرسة الكلاسيكية:

تتميَّز المدرسة الكلاسيكية بمجموعة من الخصائص الشكلية ومن بين هذه الخصائص:

1- الالتزام بالعمود الشعري القائم على هندسة القصيدة الخليلية؛ وذلك من حيث الأشطر المتساوية، وتوحيد القافية مع تصريع البيت الأول في غالب الأحيان.

 

2- وحدة البيت: حيث يفصل كل بيت عن الثاني في المعنى وهو ما يُعرَف باستقلالية معنى البيت.

 

3- التركيز على استخدام الصور البلاغية؛ مثل: الاستعارة والكناية والتشبيه.

 

4- المعارضة الشعرية كأسلوب لتحقيق المُحاكاة التي تعتبر من أهم مبادئ الكلاسيكية، وهي عبارةٌ عن تقليد بعض الشعراء الكلاسيكيين لبعض الشعراء الكلاسيكيين الأوائل في بعض قصائدهم، وتتمثل المعارضة في تقليد الشاعر الكلاسيكي المتأخِّر للشاعر الأوَّل في نفس غرض القصيدة، وكذا البحر والرويّ.

 

5- الاعتناء بالأغراض القديمة وبتعدُّدِها في القصيدة الواحدة أحيانًا.

 

الخصائص الموضوعية للمدرسة الكلاسيكية:

تختصُّ المدرسة الكلاسيكية بمجموعة من الخصائص الموضوعية من بينها:

الارتباط بقضايا الواقع والمسائل المتعلِّقة بالنهضة.

 

الاهتمام بالقضايا الوطنية والقومية.

 

وصف المخترعات الحديثة؛ كالقطار والتلغراف والطائرة.

 

إذا كانت تلك هي خصائص المدرسة الكلاسيكية التي تتميَّز بها عن غيرها من المدارس الأخرى، فما هي مواقف النقَّاد من المدرسة الاتِّباعية؟

 

يعتبر أغلب النقَّاد أن الشعر الكلاسيكي قد أحدث تجديدًا على مستوى البنية في القصيدة الإحيائية، ويظهر ذلك جليًّا في كتابات طه حسين والعقَّاد وشوقي ضيف.

 

غير أن هناك بعض الناقدين يرى أن المدرسة الكلاسيكية مجرد اجترار للشعر العربي القديم وليس فيها تجديد يُذكَر.

 

كما اعتبر روَّاد المدرسة الرومانسية أن المدرسة الاتِّباعية مناقضة لسير الزمن؛ نظرًا لتقليدها لوسائل التعبير التراثي، في حين اعتبر الحداثيون أن المدرسة الكلاسيكية تُكرِّس العقلية القديمة ولا تخدم النهضة؛ لأنها حركة محافظة وترفض التغيير.

 

الخاتمة:

بِناءً على ما تقدَّم يمكن القول: إنَّ المدرسة الكلاسيكية مدرسة أدبية تقوم على مجموعة من المبادئ؛ مثل: الإتقان وإبراز النزعة الأخلاقية والتربوية، ومن أبرز روَّاد المدرسة الاتِّباعية: محمود سامي البارودي، وأحمد شوقي، والمختار ولد حامدن، وابن رازقة العلوي، وحرمة بن عبدالجليل العلوي.

 

تتميَّز المدرسة الكلاسيكية بمجموعة من الخصائص؛ مثل: الالتزام بالعمود الشعري، ووحدة البيت، والمحاكاة؛ لكنها لم تَسْلَم من بعض الانتقادات الموجَّهة لها من بعض الدارسين؛ حيث اعتبر بعض النقَّاد أن المدرسة الاتِّباعية لا يمكن أن تنهض بالشعر العربي؛ لأنها تُمجِّد الماضي وتُكرِّس العقلية القديمة كما أنها ترفض التغيير.

 

بينما اعتبر بعض النُّقَّاد أن المحافظة على الشعر والنهوض به لا يمكن أن يتأتَّى إلا من خلال المحافظة عليه كما كان؛ مع احترام مبادئه وقواعده.

 


[1] إعداد الطالب الباحث: محمد عبدالرحمن أحمدو ولد أبُ: طالب باحث في سلك الدكتوراه، جامعة ابن زهر بأكادير في المملكة المغربية.




اكتشاف المزيد من اقلام عربية-رأي

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من اقلام عربية-رأي

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading