مقالات ثقافية

خطة لمعالجة الضعف في الإملاء والتعبير تصلح للمرحلة المتوسطة والثانوية


خطة لمعالجة الضعف في الإملاء والتعبير

تصلح للمرحلة المتوسطة والثانوية

 

التمهيد:

إن الإنسان بطبيعته مجبولٌ على النسيان، لذلك فالعلم المكتوب والمخطوط أكثر خلودًا وتناقلًا عبر الأجيال من العلم المسموع، وقد أكد ذلك إجماع الأمة على تدوين القرآن الكريم ثم السنة المطهرة؛ إذ إن الكتابة هي الحلقة الجامعة لسلسة الزمن حاضرًا وماضيًا، وهي القيد الذي نَمنع به العلم من التفلُّت وندَّخره للمدارسة والتأمل والتفكر فيه، وربط أوله بآخره وتعليله وتنقيحه، والإضافة إليه، وكما قال الشافعي فيما ينسب إليه:

العلم ُصَيْدٌ والكتابة قيدُه
قَيِّدْ صيودك بالحبال الواثقة
فمن الحماقة أن تصيدَ غزالة ً
وتردَّها بين الخلائق طالقة

 

وقد جعل المولى شأنًا للكتابة عظيمًا؛ حيث قال تعالى في إحدى الزهراوين: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا ﴾ [البقرة: 282]، ومن هنا تتبدى لي أهمية معالجة الصعوبات التي تواجه متعلم الكتابة العربية في المدارس والوقوف وراء أسبابها.

 

كنت كلما دخلت الصف على الطالبات وبدأت في بسط قاعدة ما، بادرتني إحداهن: بماذا سينفعنا في حياتنا العملية هذا الدرس؟ ومهما حاولت إقناعَها بأن دراسة اللغة واجب شرعي؛ لأنها بوابة فهم الدين، وسبيل نمو العقل والذكاء والفطرة، وخاصة اللغة العربية فهي تعلِّم المروءة والخُلق – قالت: (نحن عرب ونفهم القرآن، ولن أصير مفسرةً ولا معلمة لغة عربية في المستقبل، فلماذا تثقلون علينا؟).

 

في الحقيقة كانت روحي كمن يصَّعد في السماء كلما أثارت هذا الجدل العقيم، ثم بحثتُ في أساب نفورها الذي تخطَّى المألوف من دراسة اللغة، فوجدت أنها تعاني ضعفًا في القدرة على الكتابة، خاصة الإبداعية كالتعبير وغيره، وكانت تنفِر من المادة انطلاقًا من أن الإنسان عدو ما يَجهل، فبدأت في وضع خطة علاجية لزحزحة تلك الصخرة العائقة بينها وبين قَبول اللغة مادةً دراسية بكل فنونها، بل السخرية أحيانًا من بعض مصطلحاتها؛ كالإعراب والتعبير عن مشاعر قائل النص، وتردِّد دائمًا: (كيف تسألونني عن مشاعر شخص لا أعرِفه!).

 

– فرأيت أن معالجة الصعوبات التي تواجه المتعلم للكتابة العربية هي العتبة الأولى التي يجب أن يحرِص على تخطيها المعلم، حتى يكسِر الحاجز النفسي لدى الطالب، فيتقبل المادة بشغفٍ كما يتقبلها الطالب المتميز، أو كما يجب أن يتقبَّلها، فحرَصت على تنشيط الجانب الوجداني لدى الطالبات وتنمية الذوق لديهن، وذلك عن طريق خطوتين:

1- أبدأ حصتي كل يوم بسؤال: ما أجمل تغريدة قرأتِها أمس وأثَّرت في مشاعرك؟

 

2- أُلقي عليهم من محفوظاتي أو من الإنترنت ما يعلو على ما أَتَوْا به في البلاغة والشعور، فينبهرون ويقبلون على البحث عن الأجمل والأكثر تأثيرًا، ومن هنا بنيت جسرًا بين وِجدانهم وبين اللغة، وبدأت تلك الطالبة تتبارى في المشاركة، ومع الوقت أحبَّت المادة، وفي نهاية المرحلة قالت لي جملة لن أنساها ما حييتُ، قالت: (كنت أرى اللغة العربية في البداية كما ترون أنتم الآن اللغة الصينية، أما الآن فقد استطعت كتابة موضوع تعبير من سبعين كلمة مستوفٍ الشروط، فكأنني وُلدت من جديد!).

 

ثم بدأتُ في خطة الأسابيع الثمانية:

1- عمل المسوح اللازمة ورصد نتائجها.

 

2- معالجة الضعف الإملائي.

 

3– معالجة القصور في القدرة على الكتابة الإبداعية.

 

آلية المعالجة للضعف الإملائي:

أولًا:استقطاع جزء من الحصة يوميًّا لا يقل عن سبع دقائق، ولا يزيد عن عشرة، ويكون تحت مسمى (النشاط العلاجي).

 

ثانيًا: حصر المهارات المستهدفة وترتيبها؛ بحيث تخدم بعضها بعضًا بمعنى أن نبدأ بالتنوين مثلًا، فيتذكر الطالب الحركات من خلاله، فيخدمنا ذلك في أنواع المدود والهمزة المتوسطة بالتعرف على الحركات؛ من حيث القوة والضعف مما يترتب عليه طريقة رسم الهمزة….

 

ثالثًا: تخصيص جملة يوميًّا للإملاء تتراوح بين سبع كلمات إلى عشرة، ترتكز على مهارة واحدة في الأسبوع الأول والثاني؛ مثال: العلم يعلي الهمم ويؤجج العزيمة، فالزَم أهله وجِدَّ في طلبه.

 

التدريب في الأسبوعين الأول والثاني:

هات نظائر لكلمة (يؤجج)، ثم اذكر حركة الهمزة وحركة ما قبلها. (يكتفى بتدوين ثلاثة نظائر) بعد الاستماع لما جاد به الطلاب.

 

باقي الأسابيع الثمانية: بالإضافة للسؤال السابق نضيف شفهيًّا: ما نوع الهمزة في كلمة (الزم)، واذكر نظائر لها، (ويكون ذلك بعد التدريب على همزة الوصل).

 

رابعًا: التركيز على الأشباه والنظائر وليس على التقعيد.

 

خامسًا: الجملة المنتقاة تخدم في معناها الجانب المعرفي للطالب، والأفضل أن تحوي معنى بلاغي يدور في فلك مهارات التعبير، أو موضوع الوحدة المقررة، أو عنوان الدرس، حتى نحقق مبدأ شمولية المعالجة.

 

الهدف: الانتقال من مرحلة المهارة الواحدة إلى مرحلة المهارتين؛ (مهارة جديدة بحسب جدول المعالجة والثانية تم تناولها في الأسابيع السابقة للحرص على استحضار المعلومة).

 

وفي مرحلة متقدمة من التدريب، وليكن من الأسبوع السادس – نجعل العبارة الإملائية شاهدًا يحفظ؛ ليُثري حصيلة الطالب اللغوية والفكرية وليس الإملائية فقط.

 

سادسًا: الجانب الإجرائي والتحفيزي: (كيف تطبق الخطة داخل الصف؟):

يُسمِع المعلم التلاميذ الجملة الإملائية بقراءة جهورية ومخارج قوية، ثم يمليها عليهم.

 

ينوِّه بأن الإملاء تدريبية، وليس عليها درجات، ويذكِّر الطلاب بالصدق والأمانة.

 

بعد الإملاء يبدأ في كتابتها كلمة كلمة بمتابعة الطلاب.

 

يسأل عن الطالب الذي أخفق في كتابة ثلاث كلمات، ثم يحييه على أمانته، ثم يسأل عمن أخفق في كلمتين وواحدة ويحييهم جميعًا.

 

يسأل عمن لم يخطئ إطلاقًا، ويستعين به في متابعة زملائه لاحقًا كمكافأة له.

 

سابعًا: بعد الأسبوع الثالث تبدأ مرحلة التحفيز بالطرق التي يراها المعلم مناسبة؛ مثل:

اعتماد درجة مناسبة للإملاء يعتمدها المعلم، ويكون ذلك من قِبَل المعلم أو بالتصويب الذاتي بعد عرض المعلم للنموذج الصحيح، أو بمساعدة الطالب المجيد.

الطالب الذي لا يحقق أي إخفاق على مدار أسبوعين، ينتقل لصف آخر متقدم (على اعتبار أن هذا الصف مخصص للضعاف بحسب المسح التشخيصي الذي يُجرى منذ البداية).

الطالب المجتهد دائم المحاولة الذي يتجنب الأخطاء المتكررة يأخذ شهادة تقدير.

عموم الطلاب المتقدمين ببطء يذهبون لقاعة العرض لمشاهدة فيلم تحفيزي في الأسبوع الثالث كمكافأة لهم…

إستراتيجيات التعلم التي تم استخدامها:
البطاقات (تكتب الكلمة بثلاث طرق إحداهما صحيحة)، ويختار الطالب الرسم الصحيح ويعلقه على السبورة.

الأعواد المثلجة (تكتب عليها أرقام الطلاب في القائمة مثلًا، ويختار الطالب الرقم عشوائيًّا ليشارك صاحب الرقم في تصويب الخطأ للكلمة، ويلصق الرسم الصحيح على الجدار.

البالون الملون: تكتب عليه النظائر، ثم نطلب من الطالب نفخه بالهواء ليجد النظير مكتوبًا عليه ثم يلصقه في المكان المخصص.

الحروف المفرقة: يكوِّن منها الطالب الكلمة المطلوبة ثم يرسمها.

إستراتيجية (من أنا) يعلق المعلم بطاقة على ظهر الطالب (لا يعلم الطالب مضمونها)، يسأل الطالب زملاءه: (من أنا)، فيرد الطالب بصفة من الصفات التي توصله لمعرفة ما علِّق على ظهره؛ مثال: نعلق بالبطاقة كلمة (المروءة)، فيسأل الطالب: من أنا؟ فيرد زميله يقول أنت همزة، من أنا: أنت قبلك مد بالواو، من أنا؟ حركتك الفتح، من أنا معناك صاحب الأخلاق؟ من أنا؟ تبدأ بـ (م) وتنتهي بتاء مربوطة؟ من أنا؟ يسبقك مد الواو أو الألف؛ يقول الطالب مثلًا: أنا الهمزة المتوسطة على السطر في كلمة (المروءة )، وتنزع البطاقة ويلصقها على اللوح، وغيرها الكثير من الوسائل، (تشبه لعبة عروستي).

 

ثانيًا: مهارات إنتاج النص.
(الفترة الزمنية ثمانية أسابيع).

المعاجة تكون في أحد الأيام الذي يحتوي على حصتين للغة العربية.

نستخدم الحصة الأولى من اليوم بحسب الجدول للتدريب على المهارة والحصة الثانية من الجدول للتطبيق.

الإستراتيجايات:

المحاكاة: يستمع لنص قصير بإلقاء معبر ويحاكيه ويفضل أن يحفظه.

 

الرحلة الداخلية والخارجية: رحلة لبعض مرافق المدرسة أو المكان المشهور بالمنطقة، ثم نطلب كتابة ما حدث معه بالضبط.

 

فكِّر زاوِج شارك: نطرح أسئلة لإثارة ذاكرتهم، ثم التعبير عن الحدث، من خلال ما أثير من إجابات.

 

العصف الذهني: نلقي لغزًا مثلًا، أو نسأل عن نتيجة مباراة الأمس، وبعد المناقشة ننتج نصل قصيرًا يقومه المعلم.

 

آلية المعالجة: سؤال لنطبق عليه: اكتب فقرة مترابطة تصف فيها ما قمتَ به من أنشطة وما اكتسبتَه من خبرات أثناء عطلتك الصيفية، مع مراعاة دقة الوصف وصحة الرسم الكتابي، وسلامة اللغة وحسن الربط، واستخدام الترقيم المناسب.

 

أولًا: ندرِّب الطالب على تحويل محتوى سؤال التعبير لأسئلة مثل:

متى بدأت العطلة الصيفية؟

مع من كنت تقضي وقتك؟

ما اللعبة التي مارستها وماذا أنجزت من خلالها؟

هل سافرت؟ وإلى أين؟ صفْ مشاهداتك.

 

ثانيًا: نناقش في الحصة الأولى الإجابات شفهيًّا.

 

ثالثا: يدوِّن المعلم إجابات الطلاب، ويربط بين كل إجابة وأخرى بأداة عطف مناسبة وعلامة ترقيم، حتى نصل إلى نموذج مُحكم يقدم للطالب بوصفه فقرةً متكاملة مرقمة فصيحة دقيقة…

 

رابعًا: يقرأ المعلم الفقرة ثم يطلب من الطلاب قراءتها، ويستحب استخدام الأقلام الملونة والخط المنسق، وكتابة الفقرة من أفواه الطلاب مع التعديل، (ويمكن تجهيز الفقرة على شرائح تُعرض بعد الانتهاء من التدريب)، حتى نتجنب سوء الخط أحيانًا.

 

خامسًا: الحصة الثانية من اليوم:

نطرح نفس السؤال على الطلاب ونوزِّع عليهم أوراقًا مخصصة للكتابة، يمكن عن طريق العصف الذهني استرجاع ما تَم الوصول إليه في الحصة الأولى، ثم نترك المجال للطالب يكتب ونجمِّع الأوراق، ونعلق عليها بعبارات تحفيزية وتقويمية.

 

سادسًا: الأسبوع الأول والثاني سنُعيد نفس سؤال الحصة الأولى، أما بعد ذلك فنعيد المهارة مع اختلاف السؤال؛ مثال: الحصة الأولى: اكتب فقرة مترابطة عن حق الوالدين، تُكرَّر في الحصة الثانية.

 

من بداية الأسبوع الثالث: الحصة الأولى: اكتُب رسالة إلى معلمك تشكره فيها، أما الحصة الثانية، فتكتب رسالة إلى صديقك تدعوه لزيارة وطنك، فقد درَّبنا على مهارة (الرسالة في الحالين )، ولكن المضمون مختلف وينمو ذلك بنمو التدريب…

النصوص الجيدة تُكتب عليها عبارات تشجيعية وتعلِّق على لوحة اللغة العربية بالصف أو الممر، ويضاف إليها المتقدمون بالتدريج…

يمكن مشاركة بعض نصوص الطلبة الجيدة في الإذاعة المدرسية باسمه.

يمكن نشر الموضعات المتميزة على برنامج التواصل الخاص بالأهل بوصفه نوعًا من التحفيز (كلاسدوجو مثال)….

وضع برنامج قراءة حرة مناسبة للمرحلة العمرية لدعم القدرة على التعبير.

ربط موضوعات التعبير بمحتوى الاستماع المقرر؛ بحيث يكون ما ينتجه الطالب من نصوص مرتبط دائمًا بخبراته الدراسية في كل المواد وخبراته المجتمعية والعمرية…..



مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى