مقالات ثقافية

شكرا أيها الطبيب


شكرًا أيها الطبيب

 

جاء المريض ضعيفًا مرهقًا متعبًا متألمًا متوجعًا، يمشي برفق، وبخطوات ثقيلة، وصل إلى الطبيب، فاستقبله بابتسامة مريحة، صادرة من القلب قبل الشفتين، فكانت أولى الرسائل المطمئنة، ثم رحَّبَ به بكلِّ أدَبٍ واحترامٍ، وبعد جلوس المريض اقترب منه الطبيب بكل ودٍّ واعتناء، يسأله بهدوء عما أصابه، وما يحس به من وجع، ويبادر الطبيب كالمعتاد إلى سمَّاعته يتحسَّس بها وهو يذكر الله، وكأنه يرقي المريض ويدعو له بالشفاء.

ويُتَمْتِم بكلمات يسمعها المريض، بسيط، يسير، هيِّن، لا بأس عليك، مرضك سهل يسير، تشفى بإذن الله، فيتغيَّر وجه المريض ويهش وينسى بعض الوجع بسبب هذا الاستقبال، وهذا الأسلوب الرائع والأدب الرفيع، وينجذب تلقائيًّا إلى محبَّة الطبيب والسماع منه.

ويستمرُّ الطبيب وهو يُشخِّص المريض: كيف حالك مع العبادة؟ كيف أنت مع الصلاة؟ هل أنت ممن يكثر من ذكر الله؟ فيندهش ويستغرب المريض ويسأل في نفسه: هل أنا في المستشفى أم في المسجد؟ هل أنا أمام الطبيب أم أمام شيخ وإمام؟

بعض الأطباء ينسى أو ينشغل عن هذه المُقدِّمات الجميلة الرائعة، فيهملها، وينسى أن لها أثرًا كبيرًا وبُعْدًا نفسيًّا وروحيًّا على المريض، فهي تُقوِّي عزيمته وتُنشِّط نفسيته، وتُغذِّي روحه، وتُعالج مرضه الداخلي النفسي قبل علاج البدن الظاهري، وعندها ينشغل المريض بالغذاء الرُّوحي والدواء الربَّاني المتاح والسهل اليسير، ويبدأ عنده منسوب الإيمان في الارتفاع، وهو يُردِّد ذكر الله مستحضرًا الأجر والثواب والقرب من الخالق جَلَّ في عُلاه، وحتى المرض العضوي يكون سببًا في علوِّ منزلته ودرجته عند الله، فالخالق قد يبتلي بعض عباده وهو يُحِبُّه ليرفعه ويُؤجره.

شكرًا لك أيها الطبيب على تذكيرك قبل علاجك، فالإنسان قد ينسى ويغفل وخاصة المريض مع المرض والوجع، ولكنه يتذكَّر إذا ذُكِّر، وهذا الفعل لا يتعارض مع عمل الطبيب المسلم، بل هو مُهِمٌّ وعظيمُ الأثر.

يأخذ المريض دواءه يريد الانطلاق والعودة إلى بيته فإذا به يسمع نداء الإقامة للصلاة فيتوجَّه إلى المسجد القريب أو المُصلَّى، مُتذكِّرًا كلام الطبيب الجميل، ثم يتفاجأ بأن الذي يؤم المصلِّين هو الطبيب نفسه، فيفرح المريض ويأنس بأن طبيبَه حريصٌ على الصلاة والعبادة والطاعة، ثم يزيد الفرح عندما يسمع قراءة الإمام (الطبيب)، وصوته الندي الجميل، فيعيش المريض لحظات أنس وسعادة وهو يسمع كلام ربِّه عز وجل من طبيب أحسن في عمله، وهو الآن يحسن في صلاته وعبادته.

شكرًا لك أيها الطبيب المسلم، يا من جمعت بين علاج الروح والجسد، واهتمَمْت بنفسية المريض وراعيت مشاعره، وأرسلت له تلك الرسائل الإيجابية الطيبة، التي كان لها الأثر البالغ في المريض، والتي ستبقى معه مصاحبة له لا ينساها، وتبقى صلته بالله دائمة في السرَّاء والضرَّاء وأنت السبب، وسوف يدعو لك كل مريض ومصاب ومُبْتلًى.

شكرًا لك أيها الطبيب في حياتك وبعد مماتك، فالدالُّ على الخير كفاعله، فتخيَّل عدد المرضى الذين مرُّوا بك وقدمت لهم العلاج علاجين، ربما العلاج المادي ينسونه لكن العلاج الروحي والنفسي باقٍ يتذكَّرونه، وتصلك تلك الدعوات منهم.

وما زلت أتذكَّر ذلك الطبيب الهندي المسلم الذي أمضى سنوات في إحدى قرى بلاد الخليج، وكان من هذا الصِّنْف الطيب، وتأثرت عند موته، وقد حضر بعض أولاده لدفنه حيث مات، فقد أوصى بذلك، ورأيت الناس الذين كان يعالجهم اجتمعوا لتشييع جنازته، وقلت لهم بعد دفنه: كنتم تأتون إليه في حياته للعلاج وصرف الدواء وهو الآن بحاجة إلى دعواتكم له بالتثبيت وطلب المغفرة له.

شكرًا لك أيها الطبيب على خدماتك المتنوعة، وأخلاقك الجميلة، وابتساماتك المريحة، وصبرك الكبير، وحرصك الدائم، واحتمالك المشاهدات والمواقف التي تمُرُّ بك، وبُعدك المتكرر عن أسرتك وأولادك، فاحتسب الأجر والثواب عند الله عز وجل المولى الوهَّاب.



مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى